صمت الاتحاد الأفريقي إزاء العنف في ليبيا يطرح تساؤلات.. بلا إجابات
اتهامات لدول أفريقية بالتورط في الأزمة الراهنة لصالح العقيد القذافي
القاهرة: خالد محمود
بينما
المجتمع الدولي كله يتسابق لإدانة النظام الذي يقوده الزعيم الليبي العقيد
معمر القذافي بسبب الطريقة الوحشية التي يتعامل بها مع المتظاهرين
المطالبين بإسقاط نظام حكمه، فإن الاتحاد الأفريقي امتنع حتى الآن عن
توجيه أي إدانة مباشرة للقذافي، كما لم يعلق مشاركة ليبيا في اجتماعاته
الرسمية كما فعلت الجامعة العربية مؤخرا.
وتواجه دول أعضاء في الاتحاد الأفريقي أيضا اتهامات بالتورط في الأزمة
الراهنة في ليبيا لصالح العقيد القذافي، عبر إرسال المئات من المرتزقة
الذين يقاتلون جنبا إلى جنب مع القوات الأمنية والعسكرية الموالية
للقذافي. وأظهرت الكثير من لقطات الفيديو والصور الفوتوغرافية التي بثها
نشطاء ليبيون ومواقع ليبية على شبكة الإنترنت، وقوع عسكريين أفارقة يرتدون
ملابس الجيش الليبي ويتكلمون الفرنسية والإنجليزية في قبضة الثائرين ضد
نظام القذافي.
وفى الأيام الأولى من الثورة الشعبية العارمة، اعتقل المناوئون للقذافي
عشرات من هؤلاء، كما نفذوا حكم الإعدام في سبعة منهم على الأقل. وتظهر
اعترافات المعتقلين من المرتزقة أنهم تلقوا مرتبات كبيرة تتراوح بين ألفين
وخمسة آلاف دولار للمقاتل الواحد، مع وعود بمكافآت سخية لاحقا عند النجاح
في إخماد الثورة الشعبية. وبعد سقوط الكثير من المدن الليبية في قبضة
المناوئين للقذافي، جرى الكشف عن تفاصيل أكثر تتعلق بفضيحة مشاركة مرتزقة
أفارقة في عمليات قتل جماعية ضد الشعب الليبي.
وظهرت إعلانات محدودة لكنها مشبوهة في عدة صحف أفريقية تطلب بشكل عاجل من
العسكريين السابقين الانضمام إلى العمل في شركات أمنية خاصة في ليبيا
مقابل الحصول على مرتب مجز وحوافز أخرى. وقال مسؤولون سابقون تخلوا عن
نظام القذافي ومعارضون في الخارج، لـ«الشرق الأوسط» إن «القذافي أرسل عدة
رسائل تشبه الاستغاثة إلى عدد من حلفائه من رؤساء الدول الأفريقية يحثهم
على الوقوف إلى جواره وإرسال قوات عسكرية لدعمه».
ولم يكن مستغربا أن يكون قادة وزعماء أفريقيا الذين اعتادوا الحصول على
هبات وقروض مالية سخية من القذافي، هم وحدهم الحريصين على الاحتفاظ
بعلاقات مع القذافي حتى في ظل المشهد الحالي، حيث تلقى القذافي اتصالات
هاتفية من رؤساء تشاد وليبيريا والكونغو وموريتانيا. واعترفت كينيا على
لسان كل من قائد قواتها الجوية ومساعد وزير خارجيتها بوجود مرتزقة كينيين
ضمن قوات القذافي، فيما أقر ضباط متقاعدون من الجيش والشرطة بوجودهم في
ليبيا للعمل في شركات خاصة. ونقلت تقارير صحافية عن قائد القوات الجوية
الكينية رجيب فيتوني أنه شاهد بعينيه سفر نحو 5 آلاف من المرتزقة على متن
طائرات عسكرية ليبية منذ 14 فبراير (شباط) الحالي. وأضاف «هذا هو السبب
لتحولي إلى موقف معاد ضد الحكومة، لأن دخول طائرات عسكرية ليبية إلى كينيا
وحملها للمرتزقة الذين جمعوا قواهم يعني أن هناك أمرا لهم بفعل ذلك».
وبدوره، كشف ريتشارد أونيونكا، مساعد وزير الخارجية الكيني، عن انضمام مرتزقة كينيين إلى ميليشيات القذافي.
واكتفى الاتحاد الأفريقي الذي لعب القذافي دورا بارزا في تأسيسه على أنقاض
منظمة الوحدة الأفريقية بإدانة ما وصفه بأسلوب القمع العنيف ضد المتظاهرين
في ليبيا، معربا عن استنكاره للاستخدام المفرط والعشوائي للقوة والأسلحة
القاتلة ضد المتظاهرين السلميين في انتهاك لحقوق الإنسان والقانون
الإنساني الدولي وبما يؤدي إلى استمرار سقوط خسائر بشرية وتدمير للمنشآت.
وقرر الاتحاد، الذي يواجه اتهامات بممالأة القذافي، إرسال بعثة إلى ليبيا
لتقييم الموقف على الأرض، داعيا السلطات الليبية إلى ضمان حماية وأمن
مواطنيها وتوفير المساعدة الإنسانية. ووصف مجلس السلام والأمن التابع
للاتحاد طموحات الشعب الليبي لتحقيق الديمقراطية والإصلاح السياسي
والعدالة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية بأنها شرعية، وشدد أيضا على
الحاجة للحفاظ على وحدة ليبيا.
وكان جان بينغ، رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، قد اكتفى أيضا أول من أمس
بالإعراب عن قلقه البالغ للوضع الحالي في ليبيا، وقال في بيان لـ«الشرق
الأوسط»، من مقره في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عبر البريد الإلكتروني،
إنه يدين الاستخدام غير المناسب للقوة ضد المدنيين، كما يأسف بشدة للخسائر
الناتجة في الأرواح.
وأبلغ بينغ «الشرق الأوسط» أنه على اتصال مع السلطات الليبية وغيرها من
الجهات الفاعلة، مشيرا إلى أنه سيواصل جهوده لوضع حد لسفك الدماء. واعتبر
أن الحوار والتشاور فقط سيمكن الليبيين من إيجاد حل مناسب للتحديات التي
تواجه بلدهم، والشروع في الإصلاحات الضرورية لتحقيق تطلعات شعبهم، مؤكدا
أنه يشجع جميع الجهات الفاعلة المعنية على الحوار لفتح آفاق جديدة لليبيا
في السلام والأمن والديمقراطية.
لكن مسؤولا سابقا في نظام القذافي قال في المقابل إن الكشف عن الوثائق
الخاصة بنظام القذافي بعد انهياره سيكشف للعالم أن مسؤولين كبارا في
الاتحاد الأفريقي، بالإضافة إلى رؤساء أفارقة، اعتادوا الحصول على رشاوى
مالية من القذافي لدعمه سياسيا على مدى السنوات الماضية.